ايا من يدعي الفهم
قصيدة أيا من يدعي الفهم من المقامات المعروفة بمقامات الحريري لمؤلفها محمد الحريري البصري ، وهي تتكون من خمسون مقامة على غرار مقامات بديع الزمان الهمذاني الذي ابتكر هذا الفن ، وهو نوع من القص الأدبي يلتزم مؤلفه بالصنعة فيعتمد على السجع والبديع ، وهذه القصيدة من المقامة السامية . وقد انتشرت تلك القصيدة بعد أن أنشدها الشيخ مشاري العفاسي ، وكلماتها تقول :
أيا مَن يدّعي الفَـهْـمْ ... إلى كمْ يا أخا الوَهْـمْ
تُعبّي الـذّنْـبَ والـذمّ ... وتُخْطي الخَطأ الجَـمّ
أمَا بانَ لـكَ الـعـيْبْ ... أمَا أنْـذرَكَ الـشّـيبْ
وما في نُصحِـهِ ريْبْ ... ولا سمْعُكَ قـدْ صـمّ
أمَا نادَى بكَ الـمـوتْ ... أمَا أسْمَعَك الصّـوْتْ
أما تخشَى من الفَـوْتْ ... فتَحْـتـاطَ وتـهـتـمْ
فكمْ تسدَرُ في السهْـوْ ... وتختالُ من الـزهْـوْ
وتنْصَبُّ إلى الـلّـهـوْ ... كأنّ الموتَ مـا عَـمّ
وحَـتّـام تَـجـافـيكْ ... وإبْـطـاءُ تـلافـيكْ
طِباعاً جمْعـتْ فـيكْ ... عُيوباً شمْلُها انْـضَـمّ
إذا أسخَطْـتَ مـوْلاكْ ... فَما تقْلَـقُ مـنْ ذاكْ
وإنْ أخفَقَ مسـعـاكْ ... تلظّيتَ مـنَ الـهـمّ
وإنْ لاحَ لكَ النّـقـشْ ... منَ الأصفَرِ تهـتَـشّ
وإن مرّ بك النّـعـشْ ... تغامَـمْـتَ ولا غـمّ
تُعاصي النّاصِحَ البَـرّ ... وتعْـتـاصُ وتَـزْوَرّ
وتنْقـادُ لـمَـنْ غَـرّ ... ومنْ مانَ ومـنْ نَـمّ
وتسعى في هَوى النّفسْ ... وتحْتالُ على الفَـلْـسْ
وتنسَى ظُلمةَ الرّمـسْ ... ولا تَـذكُـرُ مـا ثَـمّ
ولوْ لاحظَـكَ الـحـظّ ... لما طاحَ بكَ اللّـحْـظْ
ولا كُنتَ إذا الـوَعـظْ ... جَلا الأحزانَ تغْـتَـمّ
ستُذْري الدّمَ لا الدّمْـعْ ... إذا عايَنْتَ لا جـمْـعْ
يَقي في عَرصَةِ الجمعْ ... ولا خـالَ ولا عــمّ
كأني بـكَ تـنـحـطّ ... إلى اللحْدِ وتـنْـغـطّ
وقد أسلمَك الـرّهـطْ ... إلى أضيَقَ مـنْ سـمّ
هُناك الجسمُ مـمـدودْ ... ليستـأكِـلَـهُ الـدّودْ
إلى أن ينخَرَ الـعـودْ ... ويُمسي العظمُ قـد رمّ
ومنْ بـعْـدُ فـلا بُـدّ ... منَ العرْضِ إذا اعتُـدّ
صِراطٌ جَـسْـرُهُ مُـدّ ... على النارِ لـمَـنْ أمّ
فكمْ من مُرشـدٍ ضـلّ ... ومـنْ ذي عِـزةٍ ذَلّ
وكم مـن عـالِـمٍ زلّ ... وقال الخطْبُ قد طـمّ
فبادِرْ أيّها الـغُـمْـرْ ... لِما يحْلو بـهِ الـمُـرّ
فقد كادَ يهي العُـمـرْ ... وما أقلعْـتَ عـن ذمّ
ولا ترْكَنْ إلى الدهـرْ ... وإنْ لانَ وإن ســرّ
فتُلْفى كمـنْ اغـتَـرّ ... بأفعى تنفُـثُ الـسـمّ
وخفّضْ منْ تـراقـيكْ ... فإنّ المـوتَ لاقِـيكْ
وسارٍ فـي تـراقـيكْ ... وما ينـكُـلُ إنْ هـمّ
وجانِبْ صعَرَ الـخـدّ ... إذا ساعـدَكَ الـجـدّ
وزُمّ اللـفْـظَ إنْ نـدّ ... فَما أسـعَـدَ مَـنْ زمّ
ونفِّسْ عن أخي البـثّ ... وصـدّقْـهُ إذا نــثّ
ورُمّ العـمَـلَ الـرثّ ... فقد أفـلـحَ مَـنْ رمّ
ورِشْ مَن ريشُهُ انحصّ ... بما عمّ ومـا خـصّ
ولا تأسَ على النّقـصْ ... ولا تحرِصْ على اللَّمّ
وعادِ الخُلُـقَ الـرّذْلْ ... وعوّدْ كفّـكَ الـبـذْلْ
ولا تستمِـعِ الـعـذلْ ... ونزّهْها عنِ الـضـمّ
وزوّدْ نفسَكَ الـخـيرْ ... ودعْ ما يُعقِبُ الضّـيرْ
وهيّئ مركبَ الـسّـيرْ ... وخَفْ منْ لُـجّةِ الـيمّ
بِذا أُوصـيتُ يا صـاحْ ... وقد بُحتُ كمَـن بـاحْ
فطوبى لـفـتًـى راحْ ... بآدابـــيَ يأتَـــم
وقد قال الحريري في ذات المقامة أيضا محدثاً شيخه :
إلى كمْ يا أبا زيدْ ... أفانينُكَ في الكيدْ
ليَنحاشَ لكَ الصيدْ ... ولا تعْبا بمَنْ ذمّ
فأجابَ من غيرِ استِحْياء. ولا ارْتِياء. وقال:
تبصّـرْ ودعِ الـلـوْمْ ... وقُلْ لي هل تَرى اليومْ
فتًى لا يقمُـرُ الـقـومْ ... متى ما دَسـتُـهُ تـمّ .