أحكام الطهارة من الحيض

كتابة - آخر تحديث: ٠:٣٦ ، ٧ ديسمبر ٢٠١٦
أحكام الطهارة من الحيض

الطّهارة

لم يترك الإسلام شارِدةً ولا واردة ولا صَغيرةً ولا كبيرةً إلا ذكرها وبيَّن أحكامها وتفاصيلها، وذلك إن دلَّ على شيءٍ فإنّما يدلُّ على عِظَم الدِّين الإسلاميّ وشموليّته وصلاحيّته لكلّ زمانٍ ومكان، ومن هذا الباب فقد جاءت أحكام الطَّهارة تامَّةً كامِلةً بكلّ تفاصيلها وجُزئياتها، وكل ما يتعلّق بها، ابتداءً من الوضوء والغُسل إلى أحكام الطّهارة من الحيض والنَّفاسِ والجنابة، إلى غير ذلك من الأحكام.


معنى الحيض

حَيْض لغةً (مفرد): مصدر حاضَ، دمٌ يسيل من رحم المرأة البالغة في أيّام معلومة من كلِّ شهر.[١]


الحيض اصطلاحاً: (دم يُرخيه رحم المرأة بعد بلوغها في أوقاتٍ مُعتادةٍ، وأصله من حاض السّيل وفاض إذا سال).[٢]


ألوان دم الحيض

يكون دم الحيض في أيام العادة الشهريّة باتّفاق الفقهاء من الحنفيّة،[٣] والشافعيّة،[٤] والمالكية[٥] والحنابلة،[٦] إمّا أسود، أو أحمر، أو أصفر، أو أكدر (مُتوسّط بين السّواد والبياض)، ولا تُعدّ الصّفرة والكدرة بعد العادة حيضاً، ويرى الحنفيّة[٧] أنّ ألوان دم الحيض ستّةٌ: السّوادُ، والحُمرةُ، والصُّفرة، والكدرة، والخضرة، والتُربية (أي على لون التّراب)، فكل ما تراه المرأةُ في أيام الحيض من الدّماء فهو حيض، حتى ترى البياض الخالص الذي هو علامةُ طهرها من الحيض: وهو شيء يُشبه المَخاط يخرج عند انتهاء الحيض.


عمر بداية الحَيض

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ أقل سِنّ يُمكن أن تَحيض فيه المرأة تسع سنين قمريّة؛ لأنّه لم يَثبت في العادة لأنثى حيضٌ قبل ذلك، وذهبوا إلى أنَّ انقطاع الحيض يكون في سنِّ اليَأس، وقد اختلف الفُقهاء في تحديد العمر في سِنِّ اليأس؛ فقال الحنفيّة:[٨] سِنّ اليأس خمس وخمسون سنة، وقال المالكيّة:[٩] إنَّ سنَّ اليأس سبعون سنة، ويرى الشافعيّة:[١٠] إنَّه لا حَدَّ لِسِنِّ اليَأس ما دامت حَيّةً، ولكنّها اثنان وستّون سنة، وقدَّر الحنابلة[١١] سنَّ اليَأس بخمسين سنة.


مدة الحيض

المُراد بمُدَّة الحيض مقدار الزَّمن الذي تكون فيه المَرأة حائِضاً، بحيث لو نَقص أو زاد لا تُعتَبر المرأة حائضاً، وإن رأت الدم، أي أنَّ للحيض بدايةً ونهايةً، وقد ذهب الشافعيّة[١٢] والحنابلة[١٣] إلى أنَّ أقلّ مدّة الحيض يومٌ وليلةٌ وأكثرُها خمسة عشر يوماً بلياليهنّ. وذهب الحنفيّة[١٤] إلى أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام بلياليها، وما نقص عن هذه المُدّة فهو استحاضة، وذهبوا إلى أنَّ أكثرها عشرة أيام، فإذا زاد فهي مُستحاضَة.


وذهب المالكيّة[١٥] إلى أنّه لا حَدَّ لأقلّ الحيض بالزّمان، أمّا أكثره فقد ذَكَر المالكيّة حالتين للمرأة الحائض: الأولى أن تكون المرأة مُبتَدَأَةً (لم يَسبِق لها الحيض) وغير حامل فحيضتها تصل إلى خمسة عشر يوماً، الحالة الثّانية: أن تكون ممّن سبق لَهُنَّ الحيض وغير حامل فهذه تزيد على عدد أيام حيضتها السّابقة ثلاثة أيام.


أحكام الطّهارة من الحيض

ثبوت طهارة المرأة من الحيض

تثبتُ طهارة المرأة من الحيض بأحد أمرين: إمّا جفاف الدَّم وانقطاعه، وإمّا القصَّة البيضاء؛ وهي ماء أبيض رقيق يكون في نهاية الحيض، وقد رُوِي عن أم المُؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ النّساء كُنَّ يُرسِلن إليها الدُّرجة فيها الشّيء من الصُّفرة فتقول: (لا تعجلن حتّى ترين القصّة البيضاء).[١٦]


النّقاء من الدّم أيام الحيض

وهذا يعني بأن يبدأ الحيض ثمّ ينقطع مدّة زمنيةً ثم يعود، وقد اختلف الفقهاء في هذا على رأيين:

  • الأول: ذهب الحنفيّة[١٧] والشافعية[١٨] إلى أنَّ انقطاع الدَّم في أيام الحيض يُعتبر حيضاً؛ فلو رأت المرأة يوماً دماً ثمّ يومَ نقاءٍ وهكذا أثناء مدّة الحيض تُعتبر حائضاً في كلّ تلك المُدّة.
  • الثّاني: ذهب المالكيّة[١٩] والحنابلة[٢٠] إلى أنَّ المرأة إذا رأت الدّم يوماً أو يومين ثمّ طَهُرت يوماً أو يومين تجمع أيّام الدّم بعضها إلى بعض وتُعتَبر باقي الأيام أيام طُهرٍ.


اشتراط النيَّة في الطهارة من الحيض

اختلف العُلماء في اشتراط النيّة للطّهارة من الحيض، ويُمكن تلخيص أقولهم على النحو الآتي:[٢١]

  • ذهب جُمهور الفُقهاء من المالكيّة والشافعيّة والحنابلة إلى اشتراط النيَّة للطّهارة من الحيض.
  • ذهب الحنفيّة إلى أنّ النيّة في الطّهارة من الحيض سُنّةٌ وليست شرطاً لصحّته.
  • ذهب الإمام الأوزاعيّ إلى أنّه يُجزَئ الاغتسال من الحيض بلا نية.


دم الحامل

اختلف الفقهاء في الدّم الذي تراه الحامل هل هو دم حيض أم لا؛ فذهب الحنفيّة[٢٢] والحنابلة[٢٣] إلى أنّ دم الحامل دمُ علّةٍ وفساد، وليس بدم حيض، وأنّ الحامل لا تحيض، وقد استدلّوا بما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال في سَبِيْ أوطاس: (لا توطأ حامل حتّى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض)؛[٢٤] ووجه الاستدلال: أنّه جعل الحيض دلالةً على براءة رحم المرأة، وبناءً على هذا لا يجتمع الحيض مع الحمل؛ أي أن تكون المرأة حاملاً وحائضاً في نفس الفترة، وعلى هذا يكون الدّم دم علّةٍ وفساد، واستدلّوا أيضاً بقول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام في حقّ ابن عمر لمّا طلّق زوجته وهي حائض: (مُره فليراجعها ثمّ ليُطلّقها طاهراً أو حاملاً)؛[٢٥] فجعل وجود الحمل عَلَماً ودلالةً على عدم الحيض كالطّهر، أي كما أنّ الطُّهر دلالةٌ على عدم وجود الحمل أيضاً، ودلالة على عدم وجود الحيض.


وقد ذهب المالكيّة[٢٦]والشافعيّة[٢٧] إلى أنّ دم الحامل حيض، وقد استدلّوا بعمومِ الأدلّةِ، منها قول النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (دم الحيض أسود يُعرَف)،[٢٨] واستدلّوا أيضاً بإجماع أهل المدينة عليه.


المراجع

  1. د أحمد مختار عبد الحميد عمر (2008)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة الأولى)، السعودية: عالم الكتب، صفحة 595، جزء 1.
  2. محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور، الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، القاهرة: دار الطلائع، صفحة 46.
  3. السرخسي (1993)، المبسوط، بيروت: دار المعرفه، صفحة 150، جزء 3.
  4. النووي، المجموع شرح المهذب، بيروت: دار الفكر، صفحة 402، جزء 2.
  5. عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 114، جزء 1.
  6. أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقي (1993)، متن الخرقى على مذهب ابي عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، مصر: دار الصحابة للتراث، صفحة 17.
  7. ابن عابدين (1992)، رد المحتار على الدر المختار (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 289، جزء 1.
  8. أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (2000)، البناية شرح الهداية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 622، جزء 1.
  9. الحطاب الرُّعيني المالكي (1992)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الفكر، صفحة 367، جزء 1.
  10. أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم الضبي، أبو الحسن ابن المحاملي الشافعيّ (1416هـ)، اللباب في الفقه الشافعي (الطبعة الاولى)، المدينة المنورة: دار البخاري، صفحة 87.
  11. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان (1423هـ)، الملخص الفقهي (الطبعة الاولى)، الرياض: دار العاصمة، صفحة 324، جزء 2.
  12. الإمام الشافعي (1990)، الأم، بيروت: دار المعرفة ، صفحة 85، جزء 1.
  13. ابن قدامة المقدسي (1968)، المغني، مصر: مكتبة القاهرة، صفحة 224، جزء 1.
  14. محمد بن أحمد بن أبي أحمد، أبو بكر علاء الدين السمرقندي (1994)، تحفة الفقهاء (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 33.
  15. محمد العربي القروي، الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 49.
  16. رواه الألباني، في إرواء الغليل، عن أم علقمة مولاة عائشة، الصفحة أو الرقم: 198، صحيح.
  17. داماد أفندي ، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 52، جزء 1.
  18. القاضي أبو محمد (وأبو علي) الحسين بن محمد بن أحمد المَرْوَرُّوْذِيّ، التعليقة للقاضي حسين، مكة المكرمة: مكتبة نزار مصطفى باز، صفحة 588، جزء 1.
  19. أبو القاسم، محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، ابن جزي الكلبي الغرناطي، القوانين الفقهية، صفحة 31.
  20. ابن قدامة المقدسي (1994م)، الكافي في فقه الإمام أحمد (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 148، جزء 1.
  21. أبو عمر دُبْيَانِ بن محمد الدُّبْيَانِ (2005)، موسوعة أحكام الطهارة، الرياض: مكتبة الرشد، صفحة 335، جزء 6. بتصرّف.
  22. أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي العبادي الزَّبِيدِيّ اليمني الحنفي (1322هـ)، الجوهرة النيرة (الطبعة الأولى)، مصر: المطبعة الخيرية، صفحة 34، جزء 1.
  23. إسحاق بن منصور بن بهرام، أبو يعقوب المروزي، المعروف بالكوسج (2002)، مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (الطبعة الأولى)، السعودية: عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 1317، جزء 3.
  24. رواه محمد ابن عبد الهادي، في تنقيح تحقيق التعليق، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 243/1، إسناده حسن.
  25. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1471، صحيح.
  26. أبو محمد، وأبو فارس، عبد العزيز بن إبراهيم بن أحمد القرشي التميمي التونسي المعروف بابن بزيزة (2010)، روضة المستبين في شرح كتاب التلقين (الطبعة الأولى)، لبنان: دار ابن حزم، صفحة 281، جزء 1.
  27. أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي (2000)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الأولى)، جدة: دار المنهاج، صفحة 348، جزء 1.
  28. رواه النووي، في الخلاصة، عن فاطمة بنت أبي حبيش، الصفحة أو الرقم: 232/1، صحيح.
2,250 مشاهدة