لمحة عن العصر العباسي

كتابة - آخر تحديث: ١٥:٠١ ، ١٣ ديسمبر ٢٠١٧
لمحة عن العصر العباسي

الدولة العباسيّة

قامت الدولة العباسيّة بعد سقوطِ الدولةِ الأمويّةِ، وكانت الجهود التي بذلها العباسيون من أهمِّ العواملِ التي أدّت إلى سقوطها، ومن ثمَّ تمّ تأسيس الدولة على يد موالي خراسان؛ حيثُ خطّط سكان خراسان من العربِ، والفرسِ، والتركِ بشكلٍ سريٍّ لإنشاءِ الدولة العباسيّة، وقد كان أغلبُ سكان خراسان يحتلّون مراكز كبيرة في الدولةِ، كما ظهرت جماعة من الفرسِ ظنّت أنَّ الدولة العباسيّة أصبحت مِلكاً لهم، وسرعان ما حدث نزاع بينهم وبين الخلفاءِ العباسين الذين لم يرغبوا أن يُشاركهم أحد بالسلطةِ أيّاً كان أصله، وما لبثوا أن تخلّصوا من أبي مسلم الخراساني، ومن عبد الله بن علي بن العباس قائد الدولة.[١]


بدأت الدولة العباسية بعصرِ التأسيس، وكان أوّل خليفة في هذا العصر هو أبو العباس السفاح، ثمَّ تلاه أخوه أبو جعفرِ المنصورِ، والذي انشغل بتوطيدِ أركانِ الدولةِ وترسيخها، وقضى على بعضٍ من العناصرِ التي سارت مع الفتنةِ، وأرادت تمكين نفسها على حسابِ العباسيين، مثل أبو سلمة الخلال، وأبو مسلم الخراساني، أمّا مكان انطلاق الدعوة العباسيّة، فكان من مدينةِ الكوفة؛ حيثُ جعل العباسيون مدينةَ الكوفة مركزاً للدولةِ؛ بسبب كثرةِ أنصار الدولةِ العباسيّةِ فيها، كما أنَّه من الكوفة يمكن التوجّه إلى خراسان والتركيز على الدعوة فيها؛ حيث يكثُر فيها الفرس والترك، كما أرادَ العباسيون الاستفادة من الصراعِ القائمِ بين القيسيّةِ واليمنية من العربِ، وكسب الأطراف المحايدة إلى صفهم، وقد كان هناك عداء واضح بين اليمنيّة التي تشكّل نسبةً كبيرةً في خراسان ووالي خراسان نصرُ بن سيار الذي كان يتعصّب للقيسيّةِ، والجديرُ بالذكرِ أنَّ العباسيين كانوا قد وجدوا من يناصرهم في خراسان حقاً، ولم تختلف بقيّة الأمصار الإسلامية عن خراسان بهذا الصدد.[١]


انتقال الحكم إلى العباسيين

كان عهد مروان بن محمد آخر عهد في الخلافة الأمويّة، والذي استمر من 127هـ إلى 132هـ؛ حيثُ قامت الثورات في بلادِ الشام تطالب بسقوطِ الدولةِ الأمويّةِ، وظهرت الفتن، ومن أشهرها فتنةُ الخوارج، والتي كانت بقيادة الضحّاك بن قيس، وعلى الرغم من قتلهِ؛ إلّا أنّ الدولة الأمويّة كانت تقف على بوابة الانهيار، وما أن تمَّ قتال الخوارج والقضاء عليهم، حتى ظهرت الدولة العباسيّة في خراسان، وساءت الأوضاع أكثر في بلادِ الشامِ والعراق، وفي عام 129هـ، بدأت الدولة العباسيّة بالظهور على يد أبي مسلم الخراساني؛ أي قبل انهيار الدولة الأمويّة بثلاثِ سنواتٍ تقريباً، وكان أولُ الخلفاءِ العباسيين اختياراً هو أبو العبّاس، وقد شَرَعَ أنصار علي بن أبي طالب يطالبون بالخلافةِ إلى أن تمَّ قمعهم على يد العباسين، كما قمعهم الأمويون من قبل.[٢]


وقد قامت الدولة العباسيّة رسمياً عام 132هـ؛ حيث كانت الضربة القاضية للأمويين والتي أدت إلى انهيارهم هي معركة الزاب في سنة 132هـ، والتي انتهت لصالحِ العباسيين؛ حيث استولى عبد الله بن علي العباسيّ على الجزيرةِ والشامِ، وعندها هرب مروان بن محمد إلى مصر؛ إلّا أنَّ العباسيين اقتفوا أثره وأدركوه، فبقي يقاتلهم حتى قُتِل، وهكذا انتهت الدولة الأمويّة في المشرق، وبويع عبد الله بن محمد الملقب بأبي العباس السفّاح للخلافةِ في الكوفة في ربيعِ الأوّل سنة 132هـ (قبل مقتل مروان بن محمد بشهور).[٣]


العصر العباسيّ الأول

قسّم المؤرخون الحكم العباسيّ إلى عدةِ عصورٍ بدأت بالعصر العباسيّ الأول، والذي بدأ منذ 132هـ وانتهى في 232هـ؛ حيث حكمَ فيه أبو العباس السفّاح في الفترة 132هـ -136هـ، وما أن اعتلى كرسي الخلافة حتى أمَّ وخطب بالناس خطبةً مدح فيها آل محمد عليه الصلاة والسلام، وندّدَ بالأمويين وبأفعالهم، كما هدّدَ في خطبتهِ من يخرج عنه قائلاً: (أنا السفّاح المبيح، والثائرُ المنيح)، ولُقِّبَ بعد هذه العبارة بأبي العباس السفّاح؛ حيث هدّدَ بعبارتهِ هذه من يخرج عنه، ولكنّه وُصِفَ نفسه بالمبيح؛ أي المُغدِق بالعطايا لمن يناصره، وقد اتّخذ السفّاح الأنبار عاصمةً للدولةِ العباسيّةِ،[٤] وتقع الأنبار شمالي الكوفة على نهرِ الفرات، وقد بنى أبو العباس مدينةً له عُرِفَت بهاشميةِ الأنبار، وأقام فيها حتى وفاته،[٥] وقد قضى السفّاح معظم خلافته في محاربةِ القادة الذين ناصروا بني أميّة، وكانت فترة حكم السفّاح نحو أربعِ سنواتٍ وتسعةِ أشهرٍ؛ حيثُ لم يجد فيها وقتاً لتنظيم شؤون الدولة وإنّما في القضاء على أنصارِ الأمويين، ومن أبرزِ ما حدث في عهده هو ظهور الوزراة لأوّل مرةٍ في الإسلامِ.[٤]


وبعد وفاة السفّاح تولّى أبو جعفر المنصور الحكم من بعده؛ حيثُ كانت فترة خلافته من 136هـ -158هـ، وقد كان جادّاً، وحازماً، ومُنظَّماً في إدارةِ الدولةِ،[٦] وفي سنة 158هـ تُوفّي المنصور، وتركَ الدولة العباسيّة ثابتةً ومستقرةً، كما وضع الأسس التي سار عليها بقيّة الخلفاء العباسيين، كما قدّم إصلاحاتٍ هائلةٍ وكبيرةٍ في الدولة العباسيّة جعلت منه حاكماً مستنيراً، ثمَّ حكم من بعده ابنه المهدي في الفترة 158هـ -169هـ، ومن بعده حكم الهادي بن المهدي منذ سنة 169-170هـ، ثمَّ حكم من بعده هارون الرشيد في الفترة 170هـ -193هـ،[٧] وفي عهدِ الرشيد وصلت الدولة العباسيّة إلى ذروة قوتها الاقتصادية وازدهارها، كما كانت مركزاً للعلمِ والأدبِ والفنونِ، وقد اتسعت اتساعاً كبيراً، أمّا الخليفة هارون الرشيد فقد عُرَِفَ بفضلهِ وحكمتهِ وعلمهِ وكرمهِ.[٨]


ومن بعد الرشيد حكم الخليفة الأمين خلال الفترة 193هـ -198هـ، ثمَّ المأمون في الفترة 197هـ -218هـ،[٩] والذي عُرِفَ بكرمهِ وحكمتهِ وحبّهِ للعلمِ وإقبالهِ عليه، وقد قويت في عهده حركة النقل والترجمة من اللغاتِ الأجنبيّةِ،[٨] ومن بعدِ المأمون حكم المعتصم خلال الفترة 218هـ -227هـ، ثمَّ الواثق في الفترة 227هـ -232هـ، وبموتِ الخليفة الواثق انتهى العصر العباسيّ الأول،[٩] وقد واجهت الخلافة العباسيّة في العصرِ العباسي الأول العديد من الخلافات الداخليّة الهادفة للاستحواذ على السلطة، مثل خروج عبدالله بن علي على أبي جعفر المنصور، وكان صراع الأمين والمأمون من أخطر وأشدّ الصراعات على السلطة، كما واجه العباسيون خلال هذا العصر معارضةً شديدة من أولادِ عمومتهم الطالبيين، والذين ساندوا الثورة عليهم لكي تَؤول الخلافة إليهم؛ إلّا أنّ محاولتهم باءت بالفشل، كما كانت هناك حركات عنصريّة فارسيّة تحارب العباسيين، بالإضافة إلى الصدامات بينهم وبين البيزنطيين، والجدير بالذكر أنّ العباسيين وطّدوا النفوذ الإسلامي في إقليمِ بلادِ ما وراء النهر، وفي السّند في هذا العصر.[١٠]


الحركة العلميّة في العصر العباسي الأول

ازدهر العصرُ العباسيُّ الأول، وقويت فيه الحركة العلميّة إلى درجةٍ كبيرةٍ، ووصلت النهضة الثقافية فيه أوجَها، وقد كان الناس في هذا العصر يتجوّلون بين القارات الثلاث سعياً وراء العلم، ولقد ميّزَ الكتّاب المسلمون بين العلوم المتصلة بالقرآن الكريم وبين العلوم المأخوذة من الأمم الأخرى؛ حيثُ أطلقوا على علوم القرآن العلوم الشرعية، واشتملت على علمِ الحديثِ، وعلمِ الكلامِ، والنحو واللغة، وعلم القراءات، وعلم التفسير، والأدب، والفقه، أمّا العلوم المنقولة عن الأمم الأخرى فأطلقوا عليها اسم العلوم العقليّة أو الحُكميّة، أو علوم العجم، واشتملت هذه العلوم على الهندسة، والموسيقى، والكيمياء، والطب، والفلسفة، وعلم النجوم.[١]


ويعدُّ علمُ الكلامِ من العلوم التي اشتُهر بها العباسيون، وهي الأقوال التي تتمُّ صياغتها على نمطٍ منطقيّ للدفاعِ عن عقيدةِ الشخص المُتكلّم، وقد ظهرَ لفظُ المتكلمين للمرةِ الأولى على من عَمِلَ بالعقائدِ الدينيّةِ؛ إلّا أنّه أصبح يُطلق بعد ذلك على من يخالف المعتزلة، ويتّبع أهلُ السنّةِ والجماعة، أمّا ثورة الأدب والشعر؛ فقد شهدها العصر العباسيّ الأول بظهورِ العديدِ من الشعراءِ الذين ساروا على مناهج عدة في الشعرِ، كما ظهرت أغراض من الشعر لم تكن موجودة من قبل، مثل الشعرُ السياسيّ، والشعرُ الحماسيُّ، والغزل العذريّ، كما قوي الرثاء، والمدح، وظهر الشعرُ الزهدي، والفلسفي، والتعليمي، والصوفي، والقصصي، واستعملَ الشعراء ضروب الجِناس والطِباق بكثرةٍ، وكان ازدهارُ الحركة الشعريّة؛ بسبب تداخل المجتمعات والعناصر المختلفة مع بعضها البعض، بالإضافةِ إلى انتقالِ الثقافات الأجنبيّة من خلالِ الترجمة.[١]


ومن العلومِ النقليّة التي اشتُهر بها العباسيون علمُ القراءاتِ، وهو المرحلة الأوليّة لتفسيرِ القرآنِ الكريمِ، حيث تمَّ إيجادُ سبعةِ طرق لقراءةِ القرآن الكريم، تمثّل كلُّ طريقةٍ منها مدرسةً، ترجع إلى إمامٍ ترتبط القراءة باسمه، ومن أشهر أصحاب القراءات في العصر العباسيّ الأوّل حمزة بن حبيب الزيّات، وأبو عبد الرحمن المُقرئ، ويحيى بن الحارث الذماري، وخلف بن هشام البزّار، وكانت دراسة القرآن الكريم الباعث القوي لظهور علم الحديث، والذي فصَّل ما جاء بالقرآنِ الكريمِ، وما صعُبَ فهمه على الناس، كما أنَّ الحديث لم يدوّن تدويناً شاملاً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد بدأ تدوين الحديث في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز، وفي العصر العباسيّ ظهرت جماعةً من أئمةِ الحديثِ اشتهر منهم سفيان الثوريّ (وهو أمير المؤمنين في الحديث)، والإمام مالك بن أنس (وهو أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة)، وسفيان بن عييّنة، والإمام أحمد بن حنبل صاحب كتاب المسند الذي يشتمل على أربعينَ ألف حديث، وهو من الكتب المعتمدة في الحديث.[١]


العصر العباسي الثاني

بدأَ العصر العباسي الثاني سنة 232هـ، وانتهى سنة 656هـ،[٩] ويعدُّ هذا العصر عصر اضمحلال للدولةِ العباسيّةِ؛ حيث وقع فيه العباسيون تحت سيطرة الأتراك، ثمّ بني بويه، ثمَّ السلاجقة، أمّا بقاء الخلفاء على العرش فقد كان برغبةٍ من الأتراك المسيطرين عليهم، بالإضافة إلى البويهين والسلاجقة، وفي هذا العصر تمَّ تغيير العديد من الوظائف الحكوميّة، كما انتشرت الرشّوة بشكلٍ كبيرٍ؛ بهدف الوصول إلى المناصب العليا، أمّا الخلفاء الذين حكموا خلال هذا العصر فقد بدؤؤا بالخليفةِ المتوكّل، والذي حكم سنة 232هـ، وانتهوا بالخليفةِ المستعصم والذي حكم سنة 640هـ، أمّا عددهم فبلغ 28 خليفة عباسيّ.[٩]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج "مختصر قصة الخلافة العباسية"، www.islamstory.com، 2008-7-17، اطّلع عليه بتاريخ 2017-11-25. بتصرّف.
  2. على ابراهيم حسن، التاريخ الإسلامى العام: الجاهلية، الدولة العربية، الدولة العباسية، صفحة 326-328. بتصرّف.
  3. سامي بن عبدالله المغلوثأطلس تاريخ الدولة العباسية، صفحة 29. بتصرّف.
  4. ^ أ ب على ابراهيم حسن، التاريخ الإسلامى العام: الجاهلية، الدولة العربية، الدولة العباسية، صفحة 331-338. بتصرّف.
  5. سامي بن عبدالله المغلوث، أطلس تاريخ الدولة العباسية، صفحة 36. بتصرّف.
  6. على ابراهيم حسن، التاريخ الإسلامى العام: الجاهلية، الدولة العربية، الدولة العباسية، صفحة 339. بتصرّف.
  7. على ابراهيم حسن، التاريخ الإسلامى العام: الجاهلية، الدولة العربية، الدولة العباسية، صفحة 362-370.بتصرّف.
  8. ^ أ ب موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء التاسع، "نبذة تعريفية عن الدولة العباسية "، www.ksag.com، اطّلع عليه بتاريخ 2017-11-25. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث على ابراهيم حسن، التاريخ الإسلامى العام: الجاهلية، الدولة العربية، الدولة العباسية، صفحة 385-421. بتصرّف.
  10. محمد سهيل طقوش (2016-5-18)، " الدوله العباسية (العصر الأول) انتساب رقم الماده 212"، www.uqu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2017-11-25. بتصرّف.
1,678 مشاهدة