محتويات
تكريم الإسلام للإنسان حياً وميتاً
حرصت الشريعة الإسلامية على تكريم الإنسان في حياته وبعد مماته؛ قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[١] فالإنسان مخلوق مكرّم، كرّمه الله سبحانه وتعالى وشرّفه، وفضّله على سائر المخلوقات الموجودة في هذا الكون، وكان من تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان؛ أن سنّ منظومة من الأعمال يقوم بها أهل الميت للميت؛ حيث تنتهي هذه الأعمال بدفن جسده تحت التراب، وذلك حفظاً له من التكشف والهوان ولعدم تعرّض هوام الأرض وسباعها له بالنهش والأكل.[٢]
الصلاة على الميت
الصَّلاة في اللغةً: مِن صلّى، والصَّاد والَّلام وحرف العلَّة الألف أصلان، يدلُّ الأول على النَّار؛ فصلى الشيء أي أحرقه بالنَّار، ويدلُّ الأصل الثَّاني على نوعٍ من العبادة وهو المَعنى المُراد هنا، ويقصد بها الدُّعاء.[٣] وباعتبار المعنى اللغوي يكون المقصود بالصلاة على الميت: الدعاء للميت، والاستغفار له، والشفاعة فيه.[٤]
حكم الصلاة على الميت
اتفق أئمة الفقه من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، والمشهور عند المالكية على أنّ الصلاة على الميّت فرض كفاية، وذلك لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالصلاة على الميّت، ولمحافظة المسلمين على هذه الصلاة.[٥]
شروط الصلاة على الميت
يُشترط لصحة الصلاة على الميّت ما يُشترط لغيرها من الصلوات؛ من طهارة الجسم، وطهارة الثوب، وطهارة المكان، وستر العورة، واستقبال القبلة، وحضور النيّة، باستثناء الوقت.
وقد اشترط فقهاء الحنفية شروطاً أخرى هي: أن يكون الميّت مسلماً قبل وفاته، وطهارة بدن الميّت من نجاسة حكمية أو حقيقية، وتقديم الميّت أمام المُصلّين، وحضور الميّت أو حضور أكثر بدنه، أو نصفه مع رأسه، ووضع الميّت على الأرض أو على الأيدي قريباً من الأرض (بخلاف المالكية والشافعية الذين يرون بجواز الصلاة على الميّت المحمول على الدابّة، أو على أيدي الناس أو أعناقهم)، وستر عورة الميّت، وأن يكون الإمام بالغاً مكلّفاً، ومحاذاة الإمام لجزء من أجزاء الميّت.
أما إذا كان موجود أكثر من ميّت فيصفّهم صفّاً ثم يقوم عند أفضلهم، أما فقهاء الحنابلة فقد وافقوا الحنفيّة في اشتراط إسلام الميّت، وطهارته، وستر العورة، وحضور الميّت بين يدي المصلّي (المقصود به عند الحنابلة ألا يكون هناك حاجزٌ أو حائط، ولا يكون الميّت محمولاً، ولا في تابوت مغطّى)، وأن يكون المصلّي مكلّفاً، ومستقبلاً للقبلة، وساتراً للعورة، مع وجود النيّة، واجتناب النجاسة، وخالفوهم في حضور الميّت فأجازوا الصلاة على الميّت الغائب عن بلد دون مسافة القصر، أو من مات غريقاً، أو أسيراً، إلى مدة شهر مع حضور النيّة.
أما فقهاء الشافعيّة فقد وافقوا الحنابلة في عدم اشتراط حضور الميّت؛ فأجازوا الصلاة على الميّت الغائب.[٦]
كيفية الصلاة على الميت
ذكر فقهاء المذاهب الفقهيّة كيفيّة الصلاة على الميّت وفيما يلي بيانٌ لها عندهم:[٧]
كيفيّة الصلاة على الميّت عند فقهاء الحنفية
ذكر فقهاء الحنفية كيفية الصلاة على الميّت وهي كما يلي:[٧]
- أن يقوم المصلّي بمحاذاة صدر الميّت.
- أن ينوي المصلّي أداء فريضة الصلاة على الميّت، عبادة لله سبحانه وتعالى.
- أن يكبّر المصلّي تكبيرة الإحرام، مع رفع يديه عند التكبير.
- أن يقرأ المصلّي الثناء، أو ما يُعرف بدعاء الافتتاح.
- أن يُكبّر المصلّي تكبيرة ثانية من غير أن يرفع يديه.
- أن يصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم.
- أن يكبّر المصلّي الثالثة من غير أن يرفع يديه.
- أن يدعو المصلّي للميّت ولجميع المسلمين.
- أن يُكبّر المصلّي التكبيرة الرابعة من غير أن يرفع يديه.
- أن يُسلّم المصلّي عن يمينه وشماله.
كيفية الصلاة على الميّت عند المالكية
ذكر فقهاء المالكية كيفية الصلاة على الميّت وهي كما يلي:[٧]
- أن يقوم المصلّي عند وسط الميّت إذا كان الميّت رجلاً، وعد المنكبَين إذا كان الميّت أنثى.
- أن ينوي المصلّي الصلاة على الميّت.
- أن يُكبّر المصلّي تكبيرة الإحرام، مع رفع يديه عندها.
- أن يدعو المصلّي للميّت، والدعاء يكون مبدوءاً بحمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
- أن يُكبّر المصلّي التكبيرة الثانية من غير رفع اليدين.
- أن يدعو المصلّي للميّت.
- أن يُكبّر المصلّي التكبيرة الثالثة من غير رفع لليدين.
- أن يدعو المصلّي للميّت.
- أن يُكبّر المصلّي التكبيرة الرابعة من غير رفع لليدين، ثم يدعو للميّت.
- أن يُسلّم المصلّي تسليمة واحدة عن يمينه، بقصد الخروج من الصلاة.
كيفية الصلاة على الميّت عند الشافعية
ذكر فقهاء الشافعية كيفية الصلاة على الميّت وهي كما يلي:[٧]
- أن يقف المصلّي عند رأس الميّت، إذا كان الميّت ذكراً، وعند عجزه (وسطه) إذا كانت أنثى.
- أن ينوي المصلّي بقلبه، وقائلاً بلسانه: نويت أن أُصلي أربع تكبيرات على من حضر من أموات المسلمين، فرض كفاية لله سبحانه وتعالى.
- أن يُكبّر المصلّي تكبيرة الإحرام، رافعاً يديه عند التكبير.
- أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، بدون قراءة دعاء الافتتاح.
- أن يقرأ سورة الفاتحة، ولا يقرأ بعدها شيئاً.
- أن يُكبّر المصلّي التكبيرة الثانية، رافعاً يديه عند التكبير.
- أن يقول المصلّي: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صلّيت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين، إنك حميد مجيد.
- أن يُكبّر المصلّي التكبيرة الثالثة، رافعاً يديه عند التكبير.
- أن يدعو المصلّي للميّت بأي دعاء أخروي.
- أن يُكبّر المصلّي التكبيرة الرابعة، رافعاً يديه عند التكبير.
- أن يقول المصلّي: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنّا بعده)، ثم يقرأ قول الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)[٨]
- أن يُسلّم التسليمة الأولى ناوياً بها من على يمينه، والتسليمة الثانية ناوياً بها من على يساره.
كيفية الصلاة على الميّت عند الحنابلة
ذكر فقهاء الحنابلة كيفية الصلاة على الميّت وهي كما يلي:[٧]
- أن يقوم المصلّي عند صدر الميّت إذا كان الميّت ذكراً، وعند وسطه إذا كانت أنثى.
- أن ينوي المصلّي الصلاة على الميّت.
- أن يُكبّر المصلّي تكبيرة الإحرام رافعاً يديه.
- أن يستعيذ بالله من الشيطان، ثم يُبسمل، ثم يقرأ الفاتحة فقط.
- أن يُكبّر المصلّي التكبيرة الثانية رافعاً يديه.
- أن يُصلّي على النبي صلى الله عليه وسلم، كما في التشهد الأخير.
- أن يُكبّر التكبيرة الثالثة، رافعاً يديه.
- أن يدعو المصلّي للميّت.
- أن يُكبّر التكبيرة الرابعة مع رفع يديه، ولا يقول بعدها شيئاً، بل يبقى ساكتاً.
- أن يُسلّم تسليمة واحدة، وإن جاء بالتسليمة الثانية لا بأس بذلك.
فضل الصلاة على الميت
للصلاة على الميّت فضل عظيم دلّت عليه أحاديث السُنّة النبوية ومنها:[٩]
- عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من ميِّتٍ تُصلِّي عليه أمَّةٌ من المسلمين يبلغون مائةً. كلُّهم يشفعون له. إلَّا شُفِّعوا فيه).[١٠]
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ما من رجلٍ مسلمٍ يموتُ فيقوم على جنازتِه أربعون رجلًا، لا يشركون بالله شيئًا إلا شفَّعهم اللهُ فيه).[١١]
المراجع
- ↑ سورة الإسراء، آية: 70.
- ↑ جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبي بكر الجزائري (2003)، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (الطبعة الخامسة)، السعودية: مكتبة العلوم والحكم، صفحة 214، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ ابن فارس (2002)، مقاييس اللغة، دمشق: دار اتحاد الكتاب العرب، صفحة 234، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سليمان بن سحمان بن مصلح بن حمدان بن مصلح بن حمدان بن مسفر بن محمد بن مالك بن عامر الخثعمي, التبالي, العسيري, النجدي (1992)، الضياء الشارق في رد شبهات الماذق المارق (الطبعة الخامسة)، السعودية: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، صفحة 607.
- ↑ سيد سابق (1977)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 531. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - الكويت (1414هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية، الكويت: دار السلاسل، صفحة 18-20، جزء 16. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج عبد الرحمن بن محمد الجزيري (2003)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 470-473، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة غافر، آية: 7.
- ↑ "صفة صلاة الجنازة في المذاهب الأربعة وفضلها"، إسلام ويب، 9-8-2010، اطّلع عليه بتاريخ 26-4-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 947، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 948، صحيح.