حبّ الله تعالى
جُبِل الإنسان على حبّ من يقدّم له الإحسان، وأفعال الخير والبرّ، وكذلك النِعم، ومن أجلّ النعم؛ النعم الباقية التي لا تنفذ، ولا تتغيّر، ولا تتحوّل، وهي النعم التي وهبها الله -تعالى- لعباده، ودليل ذلك قوله: (وَإِن تَعُدّوا نِعمَةَ اللَّهِ لا تُحصوها)،[١] وعلى المسلم أنْ يتدبّر ويتفكّر بنعم الله -تعالى- التي ذكرها القرآن، سواءٌ بشكلٍ مفصلٍ أم مجملٍ، وبذلك يتجدّد الإيمان، وينعش القلب بحب ربّه وخالقه، كما أنّ على المسلم شكر ربّه على ما منحه من النعم، وأفضل الشكر هو الشُكر الذي يُترجم بالأفعال، ودليل ذلك قول الله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)،[٢] وبذلك تزيد همة القلب بحب الله، كما أنّ حب الله كالروح للأعمال والإيمان، وإنْ فرغ القلب منه فيصبح كالجسد من غير روحٍ.[٣]
كيفية حبّ الله
يجب على المسلم الراغب بالوصول إلى درجة حب الله -تعالى- أنْ يداوم ويستمرّ على القيام بعدّة أمورٍ، من أهمّها:[٤]
- المداومة على التعايش مع القرآن الكريم، وسنة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبذلك يصل المسلم إلى مرتبة معرفة الله -تعالى- حقّ المعرفة، وبذلك يتحقّق حب الله -تعالى- في قلب المسلم، فيأنس به القلب ويألفه ويرغبه، كما أنّه يتحقّق الخوف من الله -عزّ وجلّ- والرجاء منه، وبذلك يكون المسلم مستعداً باستمرار للقاء ربه وحسابه.
- التفكّر في مخلوقات الله تعالى، وفي إبداعه في خلق الكون، ودليل ذلك قول الله تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ).[٥]
- اللجوء إلى الله -تعالى- بالدعاء بأنْ يرزقه حبّه، وحبّ الأعمال التي تُوصل إلى محبته، وطلب التوفيق والثبات على ذلك منه، وممّا يدلّ على ذلك قول الله -تعالى- عن نبيّه شعيب عليه السلام: (وَما تَوفيقي إِلّا بِاللَّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنيبُ).[٦]
- اتباع الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- فيما أمر به، حيث إنّ اتباعه طريقٌ لمحبة الله، ودليل ذلك قول الله -تعالى- في كتابه الكريم: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).[٧]
- استحضار المسلم وتذكّره لعيوبه، ونقائصه، وتذكّر كمال الله -تعالى- وقدرته العظيمة التي لا تضاهي أيّ قوةٍ، وبذلك يستقرّ الخوف في قلب العبد، وإنْ استقرّ الخوف زاد حب الله في القلب، حيث إنّ أشّد الناس خوفاً من الله، هم ذاتهم أشدّ حباً له.
- التقرّب إلى الله -تعالى- بتوحيده، وتحقيق الإخلاص له في جميع الأعمال، وأداء النوافل من العبادات بعد الفرائض منها.
- المداومة على ذكر الله -عزّ وجلّ- في جميع الظروف والأحوال والأوقات، مع الحرص على أنْ يكون الذكر باللسان والقلب.
- إيثار ما يحبّ الله -تعالى- على ما تحبّه النفس، ويظهر ذلك جليّاً عند غلبة هوى النفس ورغباتها.
- مطالعة معاني أسماء الله -تعالى- الحسنى، وصفاته العلا، ويُفضّل التعمّق في معرفتها والإبحار فيها.
- التقرّب إلى الله -تعالى- في الثلث الأخير من الليل، بصلاة القيام، والاستغفار، وتلاوة القرآن الكريم.
- الابتعاد عن الوسائل التي تُبعد العبد عن ربّه عزّ وجلّ، ومن ذلك ما يُعرض على مختلف وسائل الإعلام.
- الرضا بقضاء الله -تعالى- وقدره، حيث إنّ من تحقّقت في نفسه معرفة الله -عزّ وجلّ- اطمأن وارتاح، وبذلك يرضى بقضاء الله -تعالى- وما قُدّر له.
- مصاحبة أهل الإحسان، والصدق، والجلوس معهم، والاستماع لأحاديثهم ودروسهم.
أسباب تُعين على محبة الله لعباده
هناك عدّة أسبابٍ تعمل على تحصيل العبد لمحبّة الله، وفيما يأتي بيان بعضها:[٨]
- تحقيق الإيمان بالله -تعالى- وحده، وعدم الإشراك أو الكفر به، فالإيمان من أول الأسباب الموصلة إلى حبّ الله عزّ وجلّ، كما أنّه أول ما يُطلب من العبد لقبول باقي أعماله.
- أداء الصلوات في أوقاتها المفروضة، فأداء الصلاة في وقتها من أحبّ الأعمال عند الله تعالى، ومن ذلك أيضاً أداء المسلم الصلوات جماعةً في المسجد، وتُخصّ منها صلاتي العشاء والفجر.
- البرّ بالوالدين وعدم عقوقهما، فإن البرّ بهما أمرَ الله به بعد التوحيد، وفي مواضع أخرى أمر به بعد الصلاة والزكاة، والتحذير من عقوقهما ورد بعد التحذير من الشرك، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَأَوصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّاراً شَقِيًاً).[٩]
- الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتقديم النصيحة للناس، حيث إن ذلك من أعظم الأعمال في الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وممّا يعود أثره على الفرد بنفسه، وعلى عامة الناس.
- الجهاد في سبيل الله تعالى؛ باتباع سبيل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فيه، والإنفاق عليه، وهو ما يسمّى بجهاد المال، وبإظهار القوة والشجاعة أثناء القتال ومواجهة العدو، مع الحرص على طلب ذلك من الله عزّ وجلّ، والصبر على الجهاد والقتال، ومن الجدير بالذكر أنّه يجب التوكّل على الله -تعالى- وحده في الجهاد، مع الحرص على التواضع للمؤمنين، والعزّة مع الكافرين.
- حبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، وحبّ آل بيته، وبخاصّةً ما ورد فيهم أحاديث نبويةٌ شريفةٌ، وكذلك حبّ الصحابة رضي الله عنهم، وحب أولياء الله تعالى.
- الالتزام بمكارم الأخلاق وأفضلها، ففي ذلك إيصال رسالة الإسلام بشكلٍ عمليٍ، ومن الأخلاق المطلوبة من المسلم: الحياء والستر، والعفة، والرفق، واللين، والعفو، والصفح.
المراجع
- ↑ سورة النحل، آية: 18.
- ↑ سورة سبأ، آية: 13.
- ↑ "حب الله وتجديد الإيمان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-8-2018. بتصرّف.
- ↑ "كيف أعرف الله وأحبه؟"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-8-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الروم، آية: 8.
- ↑ سورة هود، آية: 88.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
- ↑ "خلاصة أسباب تحصيل محبة الله تعالى عباده (1)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-8-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 31-32.